فصل: الآية ( 127)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


 قوله تعالى‏:‏ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال‏:‏ القواعد اساس البيت‏.‏

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن أبي حاتم والجندي وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن جبير أنه قال‏:‏ سلوني يا معشر الشباب فإني قد أوشكت أن أذهب من بين أظهركم، فأكثر الناس مسألته فقال له رجل‏:‏ أصلحك الله أرأيت المقام أهو كما نتحدث‏؟‏ قال‏:‏ وماذا كنت تتحدث‏؟‏ قال‏:‏ كنا نقول أن غبراهيم حين جاء عرضت عليه امرأة إسماعيل النزول فأبى أن ينزل، فجاءت بهذا الحجر فقال‏:‏ ليس كذلك فقال سعيد بن جبير‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ إن أول من اتخذ المناطق من النساء أم إسماعيل، اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء، فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت‏:‏ يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنس ولا شيء‏؟‏ قالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليهما‏.‏ قالت له‏:‏ آلله أمرك بهذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قالت‏:‏ إذا لا يضيعنا، ثم رجعت‏.‏ فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه قال ‏(‏ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون‏)‏ ‏(‏إبراهيم الآية 37‏)‏ وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال‏:‏ يتلبط‏.‏ فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏فلذلك سعى الناس بينهما‏"‏‏.‏

فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت‏:‏ صه، تريد نفسها، ثم تسمعت فسمعت صوتا أيضا فقالت‏:‏ قد اسمعت إن كان عندك غواث - فإذا هي بالملك موضع زمزم، فنجت بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر الماء، فجعلت تخوضه بيدها وتغرف من الماء في سقائها وهي تفور بعدما تغرف‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم - أو قال - لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا فشربت وأرضعت ولدها‏"‏‏.‏

فقال لها الملك‏:‏ لا تخافي الضيعة فإن ههنا بيتا لله عز وجل يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كذا، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا‏:‏ إن هذا الطائر ليدور على الماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا قال‏:‏ وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا به‏:‏ أتأذنين لنا أن ننزل عندك‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس‏"‏‏.‏

فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معه حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل، فسأل زوجته عنه‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ فقالت‏:‏ خرج يبتغي لنا‏.‏ ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم‏؟‏ فقالت‏:‏ نحن بشر في ضيق وشدة وشكت إليه قال‏:‏ إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه‏.‏

فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال‏:‏ هل جاءكم من أحد‏؟‏ قالت‏:‏ نعم‏.‏ جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألني عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا‏؟‏ فأخبرته إنا في جهد وشدة‏.‏ قال‏:‏ فهل أوصاك بشيء‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، أمرني أن أقرئ عليك السلام، ويقول‏:‏ غير عتبة بابك‏.‏ قال‏:‏ ذاك أبي وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك، فطلقها وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد ذلك فلم يجده‏؟‏ فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت‏:‏ خرج يبتغي لنا‏.‏ قال‏:‏ كيف أنتم‏؟‏ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت‏:‏ نحن بخير وسعة وأثنت على الله‏.‏ فقال‏:‏ ما طعامكم‏؟‏ قالت‏:‏ اللحم‏.‏ قال‏:‏ فما شرابكم فقالت‏:‏ الماء‏.‏ فقال‏:‏ اللهم بارك لهم في اللحم والماء‏.‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ولم يكن لهم يومئذ حب، ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه‏.‏ قال‏:‏ فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه‏"‏ قال‏:‏ فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه‏.‏

فلما جاء إسماعيل قال‏:‏ هل أتاكم من أحد‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا‏؟‏ فأخبرته إنا بخير‏.‏ قال‏:‏ أما أوصاك بشيء‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، وهو يقرأ السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال‏:‏ ذاك أبي وأنت العتبة فأمرني أن أمسكك‏.‏

ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا تحت دوحة قريبا من زمزم، فما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد، ثم قال‏:‏ يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر‏.‏ قال‏:‏ فاصنع ما أمرك‏.‏ قال‏:‏ وتعينني‏.‏‏.‏‏.‏‏؟‏ قال‏:‏ وأعينك‏.‏‏.‏‏.‏ قال‏:‏ فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتا، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال‏:‏ فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان‏:‏ ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم‏.‏

قال معمر‏:‏ وسمعت رجلا يقول‏:‏ كان إبراهيم يأتيهم على البراق قال معمر‏:‏ وسمعت رجلا يذكر أنهما حين التقيا بكيا حتى أجابتهما الطير‏.‏

وأخرج ابن سعد في الطبقات عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم قال‏:‏ أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم يأمره بالمسير إلى بلده الحرام، فركب إبراهيم البراق وجعل إسماعيل أمامه وهو ابن ستين وهاجر خلفه، ومعه جبريل عليه السلام يدله على موضع البيت حتى قدم به مكة، فأنزل إسماعيل وأمه إلى جانب البيت، ثم انصرف إبراهيم إلى الشام، ثم أوحى الله إلى إبراهيم أن يبني البيت، وهو يومئذ ابن مائة سنة وإسماعيل يومئذ ابن ثلاثين فبناه معه، وتوفي إسماعيل بعد أبيه فدفن داخل الحجر مما يلي الكعبة مع أمه هاجر، وولي ثابت بن إسماعيل البيت بعد أبيه مع أخواله جرهم‏.‏

وأخرج الديلمي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ‏{‏وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ قال ‏"‏جاءت سحابة على تربيع البيت لها رأس تتكلم، ارتفاع البيت على تربيعي فرفعاه على تربيعها‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وايحق بن راهويه في مسنده وعبد بن حميد والحرث بن أبي أسامة وابن جرير وابن أبي حاتم والأزرقي والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل من طريق خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب‏.‏ أن رجلا قال له‏:‏ ألا تخبرني عن البيت أهو أول بيت وضع في الأرض‏؟‏ قال‏:‏ لا، ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة والهدى، ومقلم إبراهيم، ومن دخله كان آمنا، ثم حدث أن إبراهيم لما أمر ببناء البيت ضاق به ذرعا فلم يدر كيف يبنيه، فأرسل الله إليه السكينة - وهي ريح خجوج ولها رأسان - فتطوقت له على موضع البيت، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة فبنى إبراهيم، فلما بلغ موضع الحجر قال لإسماعيل‏:‏ اذهب فالتمس لي حجرا أضعه ههنا‏.‏ فذهب إسماعيل يطوف في الجبال، فنزل جبريل بالحجر فوضعه، فجاء إسماعيل فقال‏:‏ من أين هذا الحجر‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ جاء به من لم يتكل على بنائي ولا بنائك، فلبث ما شاء الله أن يلبث ثم انهدم فبنته العمالقة، ثم انهدم فبنته جرهم، ثم انهدم فبنته قريش، فلما أرادوا أن يضعوا الحجر تشاحنوا في وضعه فقالوا‏:‏ أول من يخرج من هذا الباب فهو يضعه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل باب بني شيبة، فأمر بثوب فبسط، فأخذ الحجر فوضعه في وسطه، وأمر من كل فخذ من أفخاذ قريش رجلا يأخذ بناية الثوب فرفعوه، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فوضعه في موضعه‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والأزرقي والحاكم من طريق سعيد بن المسيب عن علي قال‏:‏ أقبل إبراهيم على أرمينية ومعه السكينة تدله على موضع البيت كما تبني العنكبوت بيتها، فحفر من تحت السكينة فأبدى عن قواعد البيت، ما يحرك القاعدة منها دون ثلاثين رجلا‏.‏ قلت‏:‏ يا أبا محمد فإن الله يقول ‏{‏وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت‏}‏ قال‏:‏ كان ذلك بعد‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في وقله ‏{‏يرفع إبراهيم القواعد‏}‏ قال‏:‏ القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والجندي عن عطاء قال‏:‏ قال آدم‏:‏ أي رب ما لي لا أسمع أصوات الملائكة‏؟‏ قال‏:‏ لخطيئتك، ولكن اهبط إلى الأرض فابن لي بيتا ثن احفف به كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء، فزعم الناس أنه بناه من خمسة جبال‏.‏ من حراء، ولبنان، وطورزيتا، وطورسينا، والجودي، فكان هذا بناء آدم حتى بناه إبراهيم بعده‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال‏:‏ لما أهبط الله آدم من الجنة قال‏:‏ إني مهبط معك بيتا يطاف حوله كما يكاف حول عرشي، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي، فلما كان زمن الطوفان رفعه الله إليه، فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله بعد لإبراهيم وأعلمه مكانه فبناه من خمسة جبال‏:‏ حراء، ولبنان، وثيبر، وجبل الطور، وجبل الحمر، وهو جبل ببيت المقدس‏.‏

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال‏:‏ وضع البيت على أركان الماء على أربعة قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحت البيت‏.‏

وأخرج عبد الرزاق والأزرقي في تاريخ مكة والجندي عن مجاهد قال‏:‏ خلق الله موضع البيت الحرام من قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفي سنة، وأركانه في الأرض السابعة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن علياء بن أحمر أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان قواعد البيت من خمسة جبال فقال‏:‏ ما لكما ولأرضي‏؟‏‏!‏ فقالا‏:‏ نحن عبدان مأموران أمرنا ببناء هذه الكعبة‏.‏ قال‏:‏ فهاتا بالبينة على ما تدعيان‏.‏ فقام خمسة أكباش فقلن‏:‏ نحن نشهد أن إسماعيل وإبراهيم عبدان مأموران أمرا ببناء هذه الكعبة فقال‏:‏ قد رضيت وسلمت ثم مضى‏.‏

وأخرج ابن جرير عن قتادة قال‏:‏ ذكر لنا أن الحرم حرم بحياله إلى العرش، وذكر لنا أن البيت هبط مع آدم حين هبط قال الله له‏:‏ اهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، فطاف آدم حوله ومن كان بعده من المؤمنين، حتى إذا كان زمن الطوفان حين أغرق الله قوم نوح رفعه وطهره فلم تصبه عقوبة أهل الأرض، فتتبع منه آدم أثرا، فبناه على أساس قديم كان قبله‏.‏

وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال‏:‏ بني البيت من أربعة جبال‏.‏ من حراء، وطورزيتا، وطورسينا، ولبنان‏.‏

وأخرج البيهقي في الدلائل عن السدي قال‏:‏ خرج آدم من الجنة ومعه حجر في يده وورق في الكف الآخر، فبث الورق في الهند فمنه ما ترون من الطيب، وأما الحجر فكان ياقوتة بيضاء يستضاء بها، فلما بنى إبراهيم البيت فبلغ موضع الحجر قال لإسماعيل‏:‏ ائتني بحجر أضعه ههنا، فأتاه بحجر من الجبل، فقال‏:‏ غير هذا‏.‏ فرده مرارا لا يرضى ما يأتيه به، فذهب مرة وجاء جبريل عليه السلام بحجر من الهند الذي خرج به آدم من الجنة فوضعه، فلما جاء إسماعيل قال‏:‏ من جاءك بهذا‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ من هو أنشط منك‏.‏

وأخرج الثعلبي قال‏:‏ سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن حبيب يقول‏:‏ سمعت أبا بكر محمد بن محمد بن أحمد القطان البلخي وكان عالما بالقرآن يقول‏:‏ كان إبراهيم عليه السلام يتكلم بالسريانية، وإسماعيل عليه السلام يتكلم بالعربية، وكل واحد منهما يعرف ما يقول صاحبه ولا يمكنه التفوه به، فكان إبراهيم يقول لإسماعيل‏:‏ هل لي كثيبا - يعني ناولني حجرا - ويقول له إسماعيل‏:‏ هاك الحجر فخذه‏.‏ قال‏:‏ فبقي موضع حجر فذهب إسماعيل يبغيه، فجاء جبريل عليه السلام بحجر من السماء، فأتى إسماعيل وقد ركب إبراهيم الحجر في موضعه فقال‏:‏ يا أبت من أتاك بهذا‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ أتاني من لم يتكل على بنائك، فأتما البيت‏.‏ فذلك قوله عز وجل ‏{‏وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل‏}‏‏.‏

وأخرج البيهقي عن ابن شهاب قال ‏"‏لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلم أجمرت امرأة الكعبة، فطارت شرارة من مجمرتها في ثياب الكعبة فاحترقت فهدموها، حتى إذا بنوها فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تلي رفعه، فقالوا‏:‏ تعالوا نحكم أول من يطلع علينا‏.‏ فطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام عليه وشاح نمرة، فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب، ثم أخرج سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب، ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن فكان هو يضعه، ثم طفق لا يزداد على الألسن إلا رضى حتى دعوه الأمين قبل أن ينزل عليه الوحي، فطفقوا لا ينحرون جزورا إلا التمسوه فيدعو لهم فيها‏"‏‏.‏

وأخرج أبو الوليد الأزرقي في تاريخ مكة عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ قال كعب الأحبار‏:‏ كانت الكعبة غثاء على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض بأربعين سنة، ومنها دحيت الأرض‏.‏

وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال‏:‏ خلق الله هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرضين‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏ قوله تعالى‏:‏ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال‏:‏ لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض، بعث الله تعالى ريحا هفافة فصفقت الريح الماء، فأبرزت عن حشفة في موضع البيت كأنها قبة، فدحا الله تعإلى الأرض من تحتها - فمادت ثم مادت فأوتدها الله بالجبال، فكان أول جبل وضع فيه أبو قبيس، فلذلك سميت أم القرى‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال‏:‏ كان البيت على أربعة أركان في الماء قبل أن يخلق السموات والأرض، فدحيت الأرض من تحته‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال‏:‏ دحيت الأرض من تحت الكعبة‏.‏

وأخرج الأزرقي عن علي بن الحسين‏.‏ أن رجلا سأله ما بدء هذا الطواف بهذا البيت‏؟‏ لم كان، وأنى كان، وحيث كان، فقال‏:‏ أما بدء هذا الطواف بهذا البيت فإن الله تعالى قال للملائكة ‏(‏إني جاهل في الأرض خليفة‏)‏ ‏(‏البقرة الآية 30‏)‏ فقالت‏:‏ رب أي خليفة من غيرنا ممن يفسد فيها ويسفك الدماء ويتحاسدون ويتباغضون‏؟‏‏!‏ أي رب اجعل ذلك الخليفه منا فنحن لا نفسد فيها ولا نسفك الدماء ولا نتباغض ولا نتحاسد ولا نتباغى، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ونطيعك ولا نعصيك‏.‏ قال الله تعالى ‏(‏إني أعلم ما لا تعلمون‏)‏ ‏(‏البقرة الآية 30‏)‏ قال‏:‏ فظننت الملائكة أن ما قالوا رد على ربهم عز وجل، وأنه قد غضب عليهم من قولهم فلاذوا بالعرش ورفعوا رؤوسهم وأشاروا بالأصابع يتضرعون ويبكون إشفاقا لغضبه، فطافوا بالعرش ثلاث ساعات، فنظر الله إليهم فنزلت الرحمة عليهم، فوضع الله سبحانه تحت العرش بيتا على أربع أساطين من زبرجد وغشاهن بياقوتة حمراء وسمى البيت الضراح، ثم قال الله للملائكة‏:‏ طوفوا بهذا البيت ودعو العرش، فطافت الملائكة بالبيت وتركوا العرش فصار أهون عليهم، وهو البيت المعمور الذي ذكره الله يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبدا، ثم إن الله تعالى بعث ملائكته فقال‏:‏ ابنوا لي بيتا في الأرض بمثاله وقدره، فأمر الله سبحانه من في الأرض من خلقه أن يطوفوا بهذا البيت كما تطوف أهل السماء بالبيت المعمور‏.‏

وأخرج الأزرقي عن ليث بن معاذ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏هذا البيت خامس خمسة عشر بيتا، سبعة منها في السماء وسبعة منها إلى تخوم الأرض السفلى، وأعلاها الذي يلي العرش البيت المعمور، لكل بيت منها حرم كحرم هذا البيت، لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض إلى تخوم الأرض السفلى، ولكل بيت من أهل السماء ومن أهل الأرض من يعمره كما يعمر هذا البيت‏"‏‏.‏

وأخرج الأزرقي عن عمرو بن يسار المكي قال‏:‏ بلغني أن الله إذا أراد أن يبعث ملكا من الملائكة لبعض أموره في الأرض استأذنه ذلك الملك في الطواف ببيته، فهبط الملك مهلا‏.‏

وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن وهب بن منبه قال‏:‏ لما تاب الله على آدم أمره أن يسير إلى مكة فطوى له المفاوز والأرض، فصار كل مفاوزة يمر بها خطوة وقبض له ما كان فيها من مخاض أو بحر فجعله له خطوة، فلم يضع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة، حتى انتهى إلى مكة فكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان به من عظم المصيبة، حتى أن كانت الملائكة لتبكي لبكائه وتحزن لحزنه، فعزاه الله بخيمة من خيام الجنة، وضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة‏.‏ وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة، فيها ثلاث قناديل من ذهب، فيها نور يلتهب من نور الجنة، ونزل معها يومئذ الركن، وهو يومئذ ياقوتة بيضاء من ربض الجنة، وكان كرسيا لآدم يجلس عليه، فلما صار آدم بمكة حرسه الله وحرس له تلك الخيمة بالملائكة، كانوا يحرسونها ويذودون عنها سكان الأرض وساكنها يومئذ الجن والشياطين، ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة لأنه من نظر إلى شيء من الجنة وجبت له، والأرض يومئذ طاهرة نقية طيبة لم تنجس، ولم يسفك فيها الدم، ولم يعمل فيها بالخطايا، فلذلك جعلها الله مسكن الملائكة، وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون‏.‏

وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفا واحدا مستدبرين بالحرم كله من خلفهم والحرم كله أمامهم، ولا يجوزهم جني ولا شيطان من أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم، ووضعت أعلامه حيث كان مقام الملائكة، وحرم الله على حواء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم من أجل خطيئتها التي أخطأت في الجنة، فلم تنظر إلى شيء من ذلك حتى قبضت، وإن آدم إذا أراد لقاءها ليلة ليلم بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها، فلم تزل خيمة آدم مكانها حتى قبض الله آدم ورفعها إليه، وبنى بنو آدم من بعدها مكانها بيتا بالطين والحجارة، فلم يزل معمورا يعمرونه ومن بعدهم حتى كان زمن نوح، فنسفه الغرق وخفي مكانه، فلما بعث الله إبراهيم خليله طلب الأساس الأول الذي وضع بنو آدم في موضع الخيمة، فلم يزل يحفر حتى وصل إلى القواعد التي وضع بنو آدم في موضع الخيمة، فلما وصل إليها ظلل الله له مكان البيت بغمامة، فكانت حفاف البيت الأول، فلم تزل راكدة على حفافه تظل إبراهيم وتهديه مكان القواعد حتى رفع القواعد قامة، ثم انكشفت الغمامة فذلك قوله عز وجا ‏(‏وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت‏)‏ ‏(‏الحج الآية 26‏)‏ للغمامة التي ركدت على الحفاف لتهديه مكان القواعد، فلم يزل يحمد الله مذ رفعه الله معمورا‏.‏

قال وهب بن منبه‏:‏ وقرأت في كتاب من كتب الأول ذكر فيه أمر الكعبة، فوجد فيه أن ليس من ملك بعثه الله إلى الأرض إلا أمره بزيارة البيت، فينقض من عند العرش محرما ملبيا حتى يستلم الحجر، ثم يطوف سبعا بالبيت ويصلي في جوفه ركعتين، ثم يصعد‏.‏

وأخرج الجندي في فضائل مكة عن وهب بن منبه قال‏:‏ ما بعث الله ملكا قط ولا سحابة، فيمر حيث بعث حتى يطوف بالبيت ثم يمضي حيث أمر‏.‏

وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عمرو قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏بعث الله جبريل إلى آدم وحواء فقال لهما‏:‏ ابنيا بيتا‏.‏ فخط لهما جبريل، فجعل آدم يحفر وحواء تنقل حتى أجابه الماء نودي من تحته‏:‏ حسبك يا آدم‏.‏ فلما بنياه أوحى الله إليه‏:‏ أن يطوف به، وقيل له‏:‏ أنت أول الناس وهذا أول بيت، ثم تناسخت القرون حتى حجة نوح، ثم تناسخت القرون حتى رفع إبراهيم القواعد منه‏"‏‏.‏

وأخرج ابن اسحاق والأزرقي والبيهقي في الدلائل عن عروة قال‏:‏ ما من نبي إلا وقد حج البيت إلا ما كان من هود وصالح، ولقد حجه نوح فلما كان في الأرض ما كان من الغرق أصاب البيت ما أصاب الأرض، وكان البيت ربوة حمراء فبعث الله عز وجل هودا، فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله إليه، فلم يحجه حتى مات، فلما بؤاه الله لإبراهيم عليه السلام حجه، ثم لم يبق نبي بعده إلا حجه‏.‏

وأخرج أحمد في الزهد عن مجاهد قال‏:‏ حج البيت سبعون نبيا، منهم موسى ابن عمران عليه عباءتان قطوانيتان، ومنهم يونس يقول‏:‏ لبيك كاشف الكرب‏.‏

وأخرج الأزرقي وأبو الشيخ في العظمة وابن عساكر عن ابن عباس قال‏:‏ لما أهبط الله آدم إلى الأرض من الجنة كان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وهو مثل الفلك من رعدته، فطأطأ الله منه لإلى ستين ذراعا فقال‏:‏ يا رب مالي لا أسمع أصوات الملائكة ولا حسهم‏؟‏ قال‏:‏ خطيئتك يا آدم ولكن اذهب فابن لي بيتا فطف به، واذكرني حوله كنحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي، فأقبل آدم يتخطى فطويت له الأرض، وقبض الله له المفاوز فصارت كل مفاوزة يمر بها خطوة، وقبض الله ما كان فيها من مخاض أو بحر، فجعله له خطوة ولم يقع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة، حتى انتهى إلى مكة فبنى البيت الحرام، وأن جبريل عليه السلام ضرب بجناحه الأرض، فأبرز عن أس ثابت على الأرض السابعة، فقذفت فيه الملائكة الصخر، ما يطيق الصخرة منها ثلاثون رجلا، وأنه بناه من خمسة أجبل‏.‏ من لبنان، وطورزيتا، وطورسينا، والجودي، وحراء، حتى استوى على وجه الأرض، فكان أول من أسس البيت وصلى فيه وطاف آدم عليه السلام، حتى بعث الله الطوفان فكان غضبا ورجسا، فحيثما انتهى الطوفان ذهب ريح آدم عليه السلام، ولم يقرب الطوفان أرض السند والهند، فدرس موضعه الطوفان حتى بعث الله إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فرفعا قواعده وأعلامه، ثم بنته قريش بعد ذلك وهو بحذاء البيت المعمور، لو سقط ما سقط إلا عليه‏.‏

وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال‏:‏ لما أهبط آدم إلى الأرض أهبطه إلى موضع البيت الحرام وهو مثل الفلك من رعدته، ثم نزل عليه الحجر الأسود وهو يتلألأ من شدة بياضه، فأخذه آدم فضمه إليه آنسا به، ثم نزل عليه القضاء فقيل له‏:‏ تخط يا آدم، فتخطى فإذا هو بأرض الهند أو السند فمكث بذلك ما شاء الله، ثم استوحش إلى الركن فقيل له‏:‏ احجج‏.‏ فحج فلقيته الملائكة فقالوا‏:‏ بر حجك يا آدم، ولقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام‏.‏

وأخرج الأزرقي عن أبان‏.‏ أن البيت أهبط باقوتة واحدة، أو ذرة واحدة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال‏:‏ كان البيت من ياقوتة حمراء، ويقولون‏:‏ من زمردة خضراء‏.‏

وأخرج الأزرقي عن عطاء بن أبي رباح قال‏:‏ لما بنى ابن الزبير الكعبة أمر العمال أن يبلغوا في الأرض، فبلغوا صخرا أمثال الإبل الخلف قال زيد‏:‏ فاحفروا فلما زادوا بلغوا هواء من نار فقال‏:‏ مالكم‏؟‏‏!‏ قالوا‏:‏ لسنا نستطيع أن نزيد رأينا أمرا عظيما، فقال لهم‏:‏ ابنوا عليه‏.‏ قال عطاء‏:‏ يروون أن ذلك الصخر مما بنى آدم عليه السلام‏.‏

وأخرج الأزرقي عن عبيد الله بن أبي زياد قال‏:‏ لما أهبط الله آدم من الجنة قال‏:‏ يا آدم ابن لي بيتا بحذاء بيتي الذي في السماء، تتعبد فيه أنت وولدك كما يتعبد ملائكتي حول عرشي، فهبطت عليه الملائكة فحفر حتى بلغ الأرض السابعة، فقذف فيه الملائكة الصخر حتى أشرف على وجه الأرض، وهبط آدم بياقوتة حمراء مجوفة لها أربعة أركان بيض فوضعها على الأساس، فلم تزل الياقوتة كذلك حتى كان زمن الغرق فرفعها الله‏.‏

وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال‏:‏ أخبرني سعيد أن آدم عليه السلام حج على رجليه سبعين حجة ماشيا، وأن الملائكة لقيته بالمأزمين فقالوا‏:‏ بر حجك يا آدم، أما إنا قد حججنا قبلك بألفي عام‏.‏

وأخرج الأزرقي عن مقاتل يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ أن آدم عليه السلام قال‏:‏ أي رب إني أعرف شقوتي لا أرى شيئا من نورك بعد، فأنزل الله عليه البيت الحرام على عرض البيت الذي في السماء وموضعه من ياقوت الجنة، ولكن طوله ما بين السماء والأرض، وأمره أن يطوف به فاذهب عنه الهم الذي كان قبل ذلك، ثم رفع على عهد نوح عليه السلام‏.‏وأخرج الأزرقي من طريق ابن جريج عن مجاهد قال‏:‏ بلغني أنه لما خلق الله السموات والأرض كان أول شيء وضعه فيها البيت الحرام، وهو يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان أحدهما شرقي والأخر غربي، فجعله مستقبل البيت المعمور، فلما كان زمن الغرق رفع في ديباجتين فهو فيهما إلى يوم القيامة، واستودع الله الركن أبا قبيس قال ابن عباس‏:‏ كان ذهبا فرفع في زمان الغرق‏.‏ قال ابن جريج‏:‏ قال جويبر‏:‏ كان بمكة البيت المعمور، فرفع زمن الغرق فهو في السماء‏.‏